أشهر تجارب علم النفس على البشر
لأي علم جانب مضيء وآخر مظلم، وعلم النفس
ليس استثناءً من ذلك. فمنذ تأسيس أول مختبر نفسي تجريبي عام 1879 في ألمانيا، والذي
كان الهدف منه فهم الإنسان وضبط سلوكه والتنبؤ بأفعاله. بدأت التجارب النفسية
على الحيوانات اولاً، ثم تطورت لتشمل الإنسان نفسه الذي صار يُنظر إليه أحيانًا كـ"عينة"
يتم اختبارها. كشفت هذه الدراسات عن آليات سلوكية خفية ومعقدة، لكنها في الوقت ذاته
طرحت تساؤلات أخلاقية حول العلماء الذين قاموا بهذه التجارب وحول
سلامة وكرامة المشاركين. فما هي هذه التجارب؟ وكيف أثرت على الذين خضعوا لها؟
ولماذا لا يمكن أن نكررها اليوم؟
1- تجربه هيب لدراسة أثر الحرمان الحسي البصري والصوتي
قام
العالم هيب Donald Hebb بدراسة أثر الحرمان الحسي- البصري والصوتي
واللمسي، وتكونت عينة الدراسة من الطلاب الجامعيين وتم دفع ما يقارب 20 دولارًا في
اليوم الواحد او جزء منه في غرفة عازلة للصوت.
ويطلب
من الطالب ان يجلس في سرير ويتم اغماض عينية بقطعة من البلاستيك بحيث لا يرى شيئا،
ويتم وضع الأيادي في أنبوب حتى لا يستخدمها، وتغطى الأذن بسماعة رأس وينبعث من
السماعة طنين متكرر.
يظل
الطلاب في هذه الحالة ولا يسمح لهم بالتحرك إلا في حالات الأكل أو الذهاب للحمام.
الطلاب
تحملوا ليومين او ثلاثة واقصى وقت كان لطالب تحمل 6 أيام!!
وأظهرت
نتيجة التجربة بأن اثر العزلة الحسية كان مروعا بالنسبة لـ22طالبًا فقد شعروا
بالملل وبعد ذلك عدم القدرة على التركيز ، وبدأت الهلاوس البصرية بالإضافة إلى
اضطراب الشعور بالجسم وتم تطور الإحساس بانفصال الطلاب من أجسادهم.
ذكر
بعض الطلاب ان بقائهم في الغربة كان شكل من أشكال التعذيب، وآخرون قالوا بأنهم
يفضلون سماع أي شي بدلا من الصمت والطنين.
عند بدء
التجربة، يشعر الفرد بحالة من الاسترخاء والنشوة نتيجة التحرر من المؤثرات الخارجية.
لكن سرعان ما يعاني من صعوبة في التفكير المنطقي ويغرق في السرحان والشرود الذهني.
مع مرور الوقت، يتبدل الاسترخاء إلى ملل شديد تتخلله فترات متقطعة من النوم واليقظة،
يعقبها توتر عصبي واكتئاب ورغبة في الحركة. في سعيه للبحث عن منبه خارجي، يبدأ بالإحساس
الغريب في جسده ويواجه أعراض اضطراب الإدراك الذاتي. ومع تصاعد القلق، قد تظهر هلاوس
حسية وبصرية وسمعية، خاصة لدى الأفراد ذوي الاستعداد الوراثي أو الاضطرابات الشخصية
الكامنة.
2- تجربة الحرمان الحسي كاميرون
في خمسينيات
القرن العشرين، أجرى الطبيب النفسي دونالد إيوين كاميرون
Donald Ewen Cameron تجارب قاسية شملت أكثر من 50 شخصًا، تحت مظلة "العلاج النفسي العميق"،
والتي استخدم فيها الحرمان الحسي كأداة رئيسية. كان يحتجز المرضى في غرف معزولة تمامًا
عن الضوء والصوت، ويخضعهم لصدمات كهربائية متكررة يوميًا، تليها جرعات عالية من الأدوية
المخدرة بهدف مسح ذاكرتهم وإعادة "برمجة" عقولهم. أحد أبرز ضحاياه كان المريض
روبير لوجيتو، الذي أُجبر على النوم القسري لمدة 23 يومًا. وبعد خروجه، لم يعد قادرًا
على النوم أكثر من ثلاث ساعات في اليوم، وأصيب باكتئاب حاد ونوبات هلع متكررة. وفي
نهاية المطاف، فقد لوجيتو ذاكرته بالكامل، ولم يعد قادرًا على التعرف على نفسه — مثال
صارخ على مدى الكارثة النفسية التي خلّفتها تلك التجارب اللا إنسانية.
3- العلاج بالنوم
لم يكن
هذا هو الاسم الحقيقي لهذه التجربة ولكن تم إخفاء الحقيقة تحت اسم "العلاج
بالنوم" وتم عملها في مستشفى ألان التذكاري بمونتريال في كندا، تحت عنوان
"روتين- العلاج-العلاج بالنوم" وذلك في يونيو 1964.(خليفة،2010)
اعتمد كاميرون
هذه التجربة أيضًا على مبدأ الحرمان الحسي بوصفه وسيلة فعّالة في غسيل الدماغ، لكن
ما يجعلها أكثر خطورة هو البرنامج المنظم الذي طُبِّق بدقة على المرضى.
أول مراحل
البرنامج تُعرف بـ "تقنيات الاستيقاظ الثلاث"، حيث يُجبر المريض على الاستيقاظ
ثلاث مرات يوميًا، في ساعات محددة (8 صباحًا، 2 ظهرًا، 8 مساءً، يُعطى المرضى مزيجًا
قويًا من الأدوية التي تشمل مهدئات (مثل سيكونال ونيمبيوتال)، ومركبات تؤثر على الإدراك
والذاكرة (مثل صوديوم أميتال)، إلى جانب مضادات الذهان مثل كلوربرومازين، وأدوية أخرى
كالفينيرقين، بالإضافة إلى فيتامينات.
وبعد سلسلة من الصدمات النفسية والدوائية، يفقد المريض
الإحساس بالزمن والذات.
عند خروج
بعض المرضى من المستشفى وعودتهم إلى منازلهم كانوا بحالة من العدوانية الشديدة، أو
بفقدان كامل للذاكرة، بينما انتهى آخرون إلى الانتحار، بعد أن تلاشى إدراكهم لذاتهم
ولم يعودوا يعرفون من هم.
4- التنويم المغناطيسي واستخدام المخدرات
في أواخر الأربعينات، بدأت وكالة المخابرات
المركزية الأمريكية في اختبار التنويم المغناطيسي بوصفه أداة للسيطرة على السلوك، وخاصة
عند دمجه مع مزيج من المخدرات. كان النموذج التجريبي يعتمد على إعطاء الشخص مهدئات
قوية مثل سيكونال ونبتوثال الصوديوم، تليها جرعة من المنشطات القوية مثل ديكسدرين أو
ديزوكسين.
تُحقن هذه المواد عن طريق الوريد، مما يُحدث
تأثيرًا سريعًا ومباشرًا على الجهاز العصبي المركزي. وعند دمجها مع التنويم المغناطيسي
وأساليب الإكراه النفسي، يصبح الفرد في حالة من الضعف الشديد وفقدان السيطرة الذهنية.
أظهرت التجارب أن التنويم المغناطيسي، خاصة
عند دمجه بالمخدرات، يجعل الشخص غير قادر على كتمان الأسرار أو مقاومة الاستجواب لفترة
طويلة. كما يمكن إقناع الأفراد بارتكاب جرائم تخالف معتقداتهم وأخلاقهم. في تجربة شهيرة،
وُضع جندي أمريكي في حالة غيبوبة أمام ضباط كبار، وكان أحدهم برتبة عقيد يبعد عنه عشرة
أقدام. أُوحي للجندي أنه سيرى بعد دقيقة جنديًا يابانيًا يحمل سونكيًا ويستعد لقتله،
وأن عليه أن يسبقه بالخنق. بعد استيقاظه، بدأ الجندي بالزحف ببطء، ثم هجم على الضابط
فجأة وأسقطه وبدأ يخنقه بشدة. احتاج الأمر إلى تدخل ثلاثة عملاء لإبعاده، ولم يهدأ
إلا بعد أن أُعيد للتنويم العميق. أكد الضابط أن الهجوم كان حقيقيًا، وكان من الممكن
أن يُقتل لولا تدخل الفريق. هذه التجربة كانت مثالًا حيًا على ما سُمي لاحقًا بـ"القاتل
المبرمج". (صلاح،1988)
المراجع
خليفة،
عمر هارون .(2010).علم النفس والمخابرات. ديبونو للطباعة والنشر.
نصر،
صلاح.(1988). الحرب النفسية: معركة الكلمة والمعتقد. الجزء الثاني.؟، الوطن العربي.