أشهر الحيل العسكرية التاريخيه – هل كان علم النفس دورا في هذه الحيل.

وفاء عبدالله
الصفحة الرئيسية

 

أشهر الحيل العسكرية التاريخي – هل كان علم النفس دورا في هذه الحيل.

 

أشهر الحيل العسكرية التاريخيه – هل كان علم النفس دورا في هذه الحيل.



إن علم النفس لم يكن فقط محصورا في النظريات النفسية والمعامل، بل تم استخدامه أيضا في السياسة والحرب والتأثير على الأفراد المدنيين وذلك باستخدام المكر والخداع مبنية على استراتيجيات نفسية من خلال الفهم الكامل للسلوك البشري، ولعل العجيب أن هذه الأساليب النفسية لم تظهر بظهور علم النفس، بل كان البشر يمارسونها بفطرتهم منذ عصور غابرة، قبل أن تُصاغ في قوالب نظرية وتُدرس في الجامعات.

ومن بين هذه الحيل

حيل الفور

أصدر صوتًا في الشرق، ثم اضرب في الغرب

يُعرف هذا الأسلوب العسكري بمفاجأة العدو من حيث لا يتوقع، أو ما يسمى اليوم بـ"الخدعة المفتوحة" (Open Deception). وربما كانت مثل هذه الحيل تُمارس قديمًا بلا اسم محدد، لكنها فعّالة بقدر ما هي ذكية.

ومن أمثلتها ما فعله ملك بني عبس في حربهم مع قبيلة غسان. في تلك المعركة احتمت بني عبس بشعاب جبلة،[وهو حصن طبيعي منيع] وحاصرهم العدو مدة طويلة حتى أوشك العطش أن يهلك نوقهم. عندها أمر "قيس" أن تُطلق صغار الإبل (الفصلان) إلى البر، فتبعتها أمهاتها من الوادي، وصوتها علا في الأرجاء.

ظن جيش غسان أن بني عبس قد خرجوا يطلبون الأمان ويستسلمون، ففرحوا ونهبوا النوق، وأمر قائدهم، "لقيط بن زرارة"، بشن هجوم شامل على بني عبس بكل قواته.

لكن المفاجأة كانت قاسية؛ فقد أمر قيس فرسانه أن يلتفوا إلى مؤخرة الوادي ويفكوا عقال جميع النوق والجمال، ثم ضربوها بالرماح وأطلقوها نحو معسكر العدو. اندفعت النوق الهائجة تدوس الجنود وتبعثر صفوفهم تحت قوائمها، فعم الفوضى والرعب في صفوف الغساسنة، وبينما هم يتراجعون مذعورين كانت فرسان بني عبس خلف النوق يهاجمون كل من ينجو من جموحها، فمزقوا صفوف العدو بالسيوف، وقلبوا موازين المعركة لصالحهم بحيلة ذكية غير متوقعة. (عكاوي،2003).

خداع السماء لعبور البحر

إخفاء أهدافك الحقيقية عن أصحاب السلطة الذين يفتقرون إلى الرؤية من خلال عدم تنبيههم إلى تحركاتك أو أي جزء من خطتك.

هذا الأسلوب استخدمه الاستراتيجي الصيني العظيم تشو جيه ليانغ (Zhuge Liang) خلال فترة الممالك الثلاث، عندما كان عليه عبور البحر لمهاجمة خصمه، لكنه أوهم العدو أن عبوره مجرد تحرك عادي بلا نية هجومية، فلم يستعدوا أو يتحركوا ضده، حتى فاجأهم وهو على مشارفهم.

حيل التعامل مع العدو

اصنع شيئًا من لا شيء

"كذبة مكشوفة بذكاء" — هكذا يمكن وصف هذه الحيلة التي تعتمد على إيهام العدو بوجود ما ليس له وجود، أو العكس تمامًا.

هذه الخدعة استخدمها بمهارة الإغريقي بياس ابن برييني في مقاومته لملك ليديا ألياتس، في القرن السادس قبل الميلاد. خطته كانت بسيطة لكنها عبقرية: قام بتسمين زوج من البغال حتى بدت قوية ممتلئة، ثم طردهما خارج أسوار المدينة المحاصرة لتقع أعين مبعوث ألياتس عليهما قبل وصوله لبرييني. ولم يكتفِ بذلك، بل غطّى أكوامًا من الرمال بطبقة من القمح، ليمنح المبعوث انطباعًا زائفًا بأن المدينة تفيض بالموارد والمؤن. وهكذا نجح في خداع العدو وإيهامه بأن الحصار لن يُجدي نفعًا، بينما الحقيقة كانت مغايرة تمامًا.

التضحية بشجرة البرقوق للحفاظ على شجرة الخوخ

هناك ظروف تستدعي التضحية بالأهداف قصيرة المدى لتحقيق الهدف طويل المدى. هذه هي استراتيجية كبش الفداء، حيث يتحمل شخص ما العواقب دون أن يتحملها الآخرون.

في فترة الربيع والخريف (476-770ق.م) إن الجنرال تشاو شي اضطر للتضحية بأحد قادته المخلصين حتى يُرضي الإمبراطور "هان جينغدي"، لتفادي غضبه الكارثي على الجيش بأكمله.

إن كبش الفداء إلى اليوم يتم استخدامه ففي الحرب العالمية الثاني استخدم الحلفاء تكتيك "التضحية الجزئية" ، حيث ضحوا ببعض الوحدات أو المواقع ليُضللوا الألمان بخصوص توقيت وموقع غزو نورماندي، وهو جزء من خطة "عملية الثبات"

الحيل الهجومية

استعارة جثة لإحياء الروح

"استعارة جثة لإحياء الروح" — هو مبدأ يقوم على إحياء فكرة قديمة، أو تقنية منسية، أو حتى خدعة بالية، وتوظيفها من جديد لخدمة أغراض الحاضر.

جنكيز خان كان سيد هذا الفن؛ فقد استخدم حيلة بارعة ليجعل جيشه يبدو أضخم مما هو عليه فعلاً. ففي الليالي التي تسبق المعارك، أمر كل جندي أن يشعل ثلاث مشاعل عند الغسق، ليظن العدو أن جيش المغول هائل العدد، فيرتبك ويتراجع قبل أن تبدأ المعركة. بعد قرون، أعيد استخدام هذا التكتيك نفسه في الحرب العالمية الثانية فيما عُرف بعملية "الثبات" (Operation Fortitude)، وهي واحدة من أعظم خطط الخداع العسكري في التاريخ. ففي هذه العملية الضخمة، أنشأ الحلفاء جيوشًا وهمية، وأعدوا معسكرات مزيفة، وسربوا معلومات خاطئة عن مواقع الهجوم الحقيقية، كل ذلك بهدف إقناع القيادة الألمانية أن قوات الحلفاء أقوى وأكبر مما هي عليه في الواقع، ولصرف أنظارهم عن الاستعدادات الحقيقية لغزو نورماندي. وهكذا، بُعثت روح خدعة جنكيز خان من جديد في ثوب عسكري حديث، لتغير مجرى حرب كبرى

الحيل المشتركة

تظاهر بالجنون، ولكن حافظ على توازنك

تظاهر بالعجز لإرباك نواياك ودوافعك، [استدرج الخصم إلى الاستخفاف بقدراتك حتى يفقد حذره].

هذا ما فعلته الصين بمهارة خلال الحرب الكورية. فقد ظن الجنرال الأمريكي Douglas MacArthur أن الصين خارجة من حرب أهلية مرهقة، ولن تجرؤ على التدخل عسكريًا في النزاع الكوري، خاصة بعد أن أظهرت إشارات بالضعف وعدم الاستعداد، وكأنها غير معنية بما يجري عند حدودها.

لكن تحت هذا القناع الواهن، كانت الصين تُعد سرًا الجيش وتحت جنح الظلام، عبرت مئات الآلاف من الجنود الصينيين نهر يالو، لتُغير ميزان المعركة تمامًا، وتدفع قوات الأمم المتحدة، إلى تراجع قاسٍ نحو الجنوب.

لقد بدت الصين وكأنها غافلة وضعيفة... لكنها في الحقيقة كانت تنتظر اللحظة المناسبة لتُسقط خصمها.

قم بإزالة السلم عندما يصعد العدو إلى السطح

بالحِيَل والمكائد، اجذب العدو إلى أرضٍ خادعة، ثم اقطع عنه طرق الرجوع ووسائل النجاة، ليجد نفسه محاصرًا بين سيوف خصومه وقسوة الطبيعة، فلا مفر له إلا بمواجهة الموت أو الاستسلام.

وهذا تمامًا ما فعله عنترة بن شداد في معركة جبال الردم. فقد سار هو وفرسان بني عبس إلى وادي الرخم، وتوقفوا هناك منتظرين عدوهم، فقد كان هذا الوادي معبرًا لا غنى عنه لكل من يقصد العراق، خاصة من يحتاج إلى الماء، فلا بد أن يمر به.

وحين اقترب جيش العدو ونزل بخيامه، أرسل عنترة أخاه شيبوب للتجسس، وفي أثناء استطلاعه تسلل إلى الروايا (قرب الماء) وشقها بالخنجر، تاركًا الماء يتسرب حتى جفّت. وما إن أصبح الصباح حتى اكتشف العدو أن الماء قد نفد، وأدرك العطش جيشهم.

أرسل قائد جيش النعمان "الأسود" خدمه ليجلبوا الماء من أقرب غدير قبل أن يهلك العطش الجميع، لكن ما إن وصل هؤلاء إلى وادي الخرم حتى باغتهم عنترة وفرسانه، فقتل معظمهم وأسر الباقين.

اشتد العطش بجيش النعمان، واضطرب النظام بينهم، وعمّ الفوضى، فلم يعد أحد منهم يفكر إلا بالنجاة بنفسه والبحث عن الماء، وتبدد الجيش وتفرقت صفوفه، حتى إذا ما وصل بعضهم أخيرًا إلى مورد الماء، صُدموا بجثث قتلاهم تملأ المكان، وبينما هم في ذهول وانهيار، انقض عليهم فرسان عبس من أعلى الوادي، فأجهزوا على من تبقى منهم، وكانت الهزيمة ساحقة.

هكذا أُغري العدو بنزول الوادي طلبًا للحياة، فإذا به يُسلب الماء، ويُقطع عنه طريق النجاة... فلا يجد أمامه إلا الهلاك.

حيل الهزيمة

استراتيجية الحصن الفارغ

عندما تكون قوات العدو أقوى، ويتوقع المرء أن يُهزم في أي لحظة، تصرف بهدوء واستفزّ العدو، حتى يظنّ أنه يقع في كمين .

كان تشو قه ليانغ[سياسيا مخترعا وعالمًا وجنرالا، شغل منصب المستشار الإمبراطوري ثم وصيًا على االعرش]محاصرًا من قبل جيش ضخم يفوقه عددًا وعدة، ولم تكن لديه قوة كافية لصد الهجوم، ففكر بحيلة وهي: أمر بفتح أبواب المدينة على مصراعيها، وصعد هو إلى سور القلعة، حيث جلس يعزف على آلة "القيثارة" (الزين)، وهو يبتسم بهدوء تام لجيش العدو المنتظر خارج الأسوار!

القائد الخصم، سيي ما يي، رجل حذر وذكي، لم يصدق، بل اعتقد أن في الأمر خدعة كبيرة، فارتبك وتراجع بجيشه دون أن يهاجم، خوفًا من كمين مخفي... وهكذا أنقذ تشو قه ليانغ مدينته بلا قتال.

إذا فشل كل شيء آخر، تراجع

إذا اتضح أن مسارك الحالي سيؤدي إلى الهزيمة، فانسحب وأعد تنظيم صفوفك. عندما يكون الطرف الخاسر، تبقى ثلاث خيارات: الاستسلام، أو التسوية، أو الفرار. الاستسلام هزيمة كاملة، والتسوية نصف هزيمة، لكن الفرار ليس هزيمة. ما دام المرء لم يُهزم، فلا تزال هناك فرصة.

هل كان علم النفس دورا في هذه الحيل؟

تُظهر الوقائع التاريخية، من أساليب تشو قه ليانغ في الصين القديمة إلى خطط الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، اعتمادًا متكررًا على مبادئ نفسية عميقة تتجاوز الجوانب العسكرية التقليدية. فهذه الحيل لم تكن مجرّد استراتيجيات حربية، بل تطبيقات عملية لمفاهيم من صميم علم النفس الإنساني، استهدفت البنية الإدراكية والانفعالية للخصم.

1. الشك والخوف من المجهول – أثر التوقعات السلبية:

في حالة تشو قه ليانغ، استندت الحيلة إلى استثارة "القلق الاحتمالي" لدى سي ما يي. هذا النوع من القلق ينبع من إدراك تهديد غير واضح المعالم، حيث تُفعَّل لدى الفرد منظومة "الانتباه الانتقائي للتهديدات" حتى لو لم تكن موجودة فعليًا. سي ما يي لم يتراجع بسبب ما رآه، بل بسبب ما افترضه. هذه الاستجابة تعكس أثر التهديد الغامض في تحفيز آليات الدفاع النفسي، وهو ما يُعرف بـ**"التحيز نحو السيناريو الأسوأ"**، حيث يتغلب التصور الذهني للكارثة المحتملة على المعطيات الواقعية المتاحة.

2. خفض التوقعات وإضعاف الرقابة – خداع الذات عند العدو:

في الحرب الكورية، اعتمدت الصين على مبدأ نفسي معاكس، قائم على خلق صورة ذهنية للضعف. هذه الصورة أضعفت مستوى "التحفيز الإدراكي" لدى العدو، أي أن العدو بدأ في إهمال مؤشرات الخطر لأنه لم يتوقعها من طرف ضعيف. هذه الظاهرة تُعرف في علم النفس الاجتماعي باسم "تأثير الثقة الزائدة الناتجة عن المعلومات الخادعة" (Overconfidence Bias)، وهي تؤدي إلى انخفاض الحذر وخلل في اتخاذ القرار.

3. استثارة غريزة البقاء – الهيمنة عبر التهديد الوجودي:

تكتيكات مثل تلك التي استخدمها عنترة أو جنكيز خان كانت موجهة لتحفيز أقوى الدوافع الإنسانية: غريزة البقاء. من خلال الإيحاء بتفوق عددي ساحق أو تهديد وجودي قادم، كان الهدف زعزعة الإحساس بالسيطرة عند الخصم. وفقًا لنظرية التحكم الإدراكي (Cognitive Control Theory)، فإن فقدان الإحساس بالسيطرة يولد استجابة استسلامية نفسية قبل أن يحدث أي اشتباك فعلي.

4. التوجيه الإدراكي الخاطئ – إسقاط الإدراك على وهم:

عملية "الثبات" (Fortitude) التي قادها الحلفاء اعتمدت على خلق واقع افتراضي في ذهن العدو، من خلال إشارات كاذبة تعزز إدراكًا مزيفًا للخطر. هذا يوظف ما يُعرف بـ**"التحكم بالإطار الإدراكي" (Framing Effect)**، حيث يتم توجيه انتباه الخصم وتركيز موارده النفسية على تهديد زائف، مما يؤدي إلى إهمال الخطر الحقيقي.

المراجع

عكاوي، رحاب.(2003). ملحمة العرب سيرة عنترة بن شداد. دار الحرف.

تشانغ، مي وبي، يان لي.(2024). حكايات الأمثال والألقاب.(ترجمة مجموعة مترجمين بين الحكمة).مجموعة بيت الحكمة للثقافة.

غير معروف.( 21 أكتوبر 2024). الحرب الكورية. Wikipedi. https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9

 

            Unknown.( 6 February 2025). Thirty-Six Stratagems. Wikipedia.https://en.wikipedia.org/wiki/Thirty-Six_Stratagems.

Wikipedia.( 16 March 2024). Psychological warfare. Wikipedia.https://en.wikipedia.org/wiki/Psychological_warfare.

.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كمبدأ أساسي في الدعاية: المصداقية شرط للإقناع. قبل أن تتمكن من إجبار شخص على فعل ما تقوله، يجب أن تجعله يصدق ما تقوله.

google-playkhamsatmostaqltradent