إلى أي مدى يشعر الناس بالسعادة؟
عندما نتأمل
في حياة الإنسان، نجد أن بحثه عن السعادة يمثل أحد أبرز الأسس التي تحكم تصرفاته وتوجهاته.
فالإنسان، هذا الكائن الباحث، يسعى جاهداً لتحقيق شعور دائم بالسعادة والراحة، ورغم
مختلف مسارات الحياة التي قد تأخذه، يبقى بحثه عن السعادة من أبرز محاوره.
تبدأ رحلة
البحث عن السعادة منذ اللحظة الأولى لولادة الإنسان، حيث يبحث الطفل الرضيع عن الشعور
بالراحة والأمان في أحضان والديه، ومع مرور الزمن، يتطور هذا البحث ليشمل مجالات متعددة
من الحياة. يسعى الإنسان لتحقيق النجاح في العمل، والتوازن في العلاقات الاجتماعية،
والرضا الداخلي بتحقيق التوازن بين الجوانب المختلفة من حياته.
قد يكون شعور
الإنسان نحو السعادة متأثراً بالظروف الخارجية والعوامل المحيطة به، ولكن في النهاية،
يكمن السر في القدرة على اكتشاف السعادة الحقيقية داخل الذات. فالسعادة ليست بالضرورة
أن تكون مرتبطة بالثروة المادية أو النجاح العالمي، بل قد تكمن في بساطة الحياة وفي
اللحظات الصغيرة من السعادة اليومية.
السعادة هي
حالة شخصية تختلف من شخص لآخر، ولا يمكن تحديد حدود دقيقة لها. إنها تجربة فردية تعتمد
على عوامل متعددة مثل الثقافة، والتربية، والظروف الشخصية والاجتماعية، والصحة النفسية
والجسدية، والأهداف والقيم الشخصية.
في العموم،
يمكن للسعادة أن تصل إلى مستويات مختلفة لكل فرد وفقاً لتجاربه وتطلعاته في الحياة.
بعض الأشخاص قد يشعرون بالسعادة عند تحقيق أهداف صغيرة مثل الاستمتاع بلحظات الهدوء
مع عائلتهم، بينما قد يحتاج آخرون إلى تحقيق أهداف أكبر مثل النجاح المهني أو تحقيق
أحلامهم الشخصية ليشعروا بالسعادة.
عناصر للسعادة
الرضا عن الحياة ومختلف جوانبها
الشعور بالرضا
يُعَتَبَر أحد الأركان الأساسية للسعادة، ويمثل نوعًا من التقدير الهادئ والتأمل في
مدى جودة تقدير حياتنا، سواء في الحاضر أو في الماضي.
ففي
مختلف جوانب الحياة (الآخرون "الاسرة والأصدقاء" ,العمل ,النشاط في وقت
الفراغ) هي المجالات الأساسية للشعور بالرضا عن الحياه.
يتأثر الشعور
بالرضا بالظروف الحياتية الفعلية التي يواجها الفرد، مثل الحالة الاجتماعية مثل الزواج،
والوضع الوظيفي سواء كان الشخص يعمل أو لا، وكذلك كيف يقضي وقت فراغه وما يفعله خلاله
اولاً: العلاقات الاجتماعية أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر على السعادة والشعور بالرضا. يعتبر الشريك الحياتي، سواء كان الزوج أو الزوجة، أحد أهم مصادر الرضا، تليه الأقارب المقربون، ثم الأصدقاء، وفي النهاية زملاء العمل والجيران. تسهم العلاقات الاجتماعية في زيادة السعادة من خلال إحداث البهجة، وتوفير المساعدة، والمشاركة في الأنشطة الممتعة المشتركة. كما تزيد من تقدير الذات، وتخفف من الانفعالات السلبية، وتوفر المساعدة في حل المشاكل.
ثانيا:
العمل يصبح العمل مصدراً للرضا الداخلي عندما يؤمن الشخص بأن العمل يشكل جزءًا أساسيًا
من حياته، وأن قيمته الشخصية تعكس جودة عمله. يُولى الكثيرون أهمية فائقة لأنواع معينة
من الوظائف، مما يجعلها مصدرًا كبيرًا للرضا النفسي، مثل الأطباء والعلماء ورجال الدين.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن العمل لا يُقَدَّر فقط بناءً على طبيعته، بل أيضًا بناءً على بيئة العمل والزملاء والطقوس التي تحيط به. في المجتمع الحالي، يُنظَر إلى عدم القدرة على العمل عادةً كعلامة على الفشل، مما يخلق شعورًا بالعار الاجتماعي والانحراف. تتسبب البطالة في تدهور الوضع المالي وتأثير سلبي على الصحة النفسية والجسمية، مما يؤثر بدوره على سعادة الفرد.
ثالثا: وقت
الفراغ عندما نتمكن من تحديد الأنشطة التي تجلب لنا أكبر قدر من الرضا في أوقات الفراغ،
يمكننا أن نساعد في تخطيط وقتنا بشكل أفضل وفهم جذور السعادة بشكل أعمق.
هناك بعض
الأنشطة التي يمكن ممارستها في أوقات الفراغ:
مشاهدة التلفزيون:
يشعر الناس بالاسترخاء والسعادة أحيانًا أثناء مشاهدة التلفاز، ولكن قد يكونون أقل
تركيزًا وأكثر تميل إلى الشعور بالسلبية مقارنة بأوقاتهم عند قراءة كتاب أو ممارسة
نشاط آخر.
تطوير المهارات:
يمكن أن يكون الشعور بالرضا ناتجًا عن استخدام وتطوير المهارات الشخصية بشكل فردي،
مما يُعرف بـ "الدافع الذاتي". ويمكن أن يؤثر هذا النوع من الأنشطة على الآخرين
إيجابيًا، مثل إكمال مشروع مهم بشكل مستقل, تنسيق الحدائق, العزف على الآلات
الموسيقية, الرسم.
الاستمتاع بالحياة والشعور بالبهجة والسرور
إن الاستمتاع بالحياة هو نوع من التقييم العام
والذاتي لحياة الفرد يعكس النظرة الإيجابية للحياة وللذات على حد سواء.
نظرية "دعونا نستمتع فقط" التي قدمها زيمرمان في عام 2007 تركز على أهمية المتعة والتجارب الإيجابية
في تعزيز الصحة النفسية والرفاهية العامة. وفقًا لزيمرمان، يمكن للتجارب الإيجابية
أن تكون لها تأثيرات طويلة الأمد على الحالة النفسية للأفراد، وتسهم في بناء مرونة
نفسية تمكنهم من مواجهة الضغوط والتحديات.
تستند هذه النظرية إلى عدة مبادئ أساسية:
الأهمية النفسية
للمتعة: تعتبر التجارب
الممتعة ضرورية للصحة النفسية مثلما تعتبر الغذاء والراحة ضرورية للصحة الجسدية. الأنشطة
التي تجلب المتعة تساهم في تحسين الحالة المزاجية وتقليل التوتر.
الاستثمار
في الأنشطة الممتعة: يشجع زيمرمان
على الاستثمار الواعي في الأنشطة التي تجلب المتعة والسعادة، مثل الهوايات، والرياضة،
والأنشطة الاجتماعية. هذه الأنشطة تساعد في تقوية الروابط الاجتماعية وتعزيز الشعور
بالانتماء.
التوازن بين
المتعة والواجبات: تؤكد النظرية
على ضرورة تحقيق توازن بين الأنشطة الممتعة والواجبات اليومية. هذا التوازن يساعد في
تجنب الإرهاق النفسي ويحافظ على الطاقة الإيجابية.
التنوع في
التجارب الممتعة: يشير زيمرمان
إلى أهمية تنويع الأنشطة الممتعة وعدم الاعتماد على نشاط واحد فقط لتحقيق السعادة.
التنوع يمنح الأفراد تجارب جديدة ومثيرة، ويمنع الروتين والملل.
تدعو هذه
النظرية إلى تبني نهج حياة يتميز بالتفاؤل والاستمتاع، حيث تكون المتعة جزءًا أساسيًا
من الحياة اليومية، مما يعزز الصحة النفسية والعاطفية للأفراد.
التعامل مع التحديات والصعوبات التي قد تشمل القلق والاكتئاب
يختلف تعامل الأشخاص السعداء والعاديين وغير
السعداء مع تحديات الحياة بشكل كبير. الأشخاص السعداء يتمتعون بتفاؤل وإيجابية، مرونة
نفسية، دعم اجتماعي قوي، تركيز على الحلول، واهتمام بالصحة الجسدية والنفسية. الأشخاص
العاديون يظهرون توازنًا بين الإيجابية والسلبية ويعتمدون على تقنيات تقليدية للتكيف.
أما الأشخاص غير السعداء، فيميلون إلى التشاؤم، صعوبة التكيف، العزلة الاجتماعية، التركيز
على المشاكل، وإهمال الصحة. هذه الاختلافات تؤثر بشكل كبير على كيفية تعامل كل فئة
مع تحديات الحياة وتؤثر في نهاية المطاف على رفاهيتهم العامة وسعادتهم.
الصحة العامة
للصحة
الجسدية دور كبير ومؤثر على سعادة الانسان فالشخص السليم يكون اكثر سعادة ممن
لديهم امراض مزمنة كالضغط وغيرها ومن أكثر أسباب الوفاة التي قد يكون العامل
النفسي سبب من أسبابها هي: الجلطات القلبية والسرطان والأزمات القلبية والالتهابات
الشعبية وأمراض القلب الأخرى والالتهاب الرئوي وارتفاع ضغط الدم
فالانتحار
يعود إلى الاكتئاب والعزلة الاجتماعية وامراض القلب تتأثر بشدة بالمشقة والسمنة
والتدخين وانعدام اللياقة البدنية ونسبة كبيرة من الوفيات المبكرة قابلة للتجنب
دون تدخل طبي. ويتأثر الموت المبكر بسوء الصحة الجسمية.
من اهم
العوامل التي تساعد على بقاء الشخص بصحة جيدة؟
1- العلاقات
الاجتماعية الجيدة: فإن تأثير العلاقات الاجتماعية يؤثر بشكل كبير على الصحة (وقد
أجريت مقابلات على 7000 فرد في دراسة شهيرة تمت في كاليفورنيا بهدف التحقق من قوة
شبكة العلاقات الاجتماعية الدائمة على الصحة فكانت النتيجة ان من لهم علاقات
اجتماعية قوية كانت صحتهم افضل)
2- العمل:
يؤثر العمل على الصحة النفسية واشارت بحوث ان معدل الإصابة بالنوبات القلبية تختلف
إلى حد كبير تبعا للمهنة , يبين الجدول التالي معدل الإصابات بأمراض الشريان
التاجي ومن هنا نستنتج إلى ان الموت نتيجة للأمراض القلبية يرتبط بانخفاض في
الشعور بالرضا عن العمل
اما بالنسبة لغير العاملين ان حالتهم الصحية أسوأ وقد أجريت العديد من
الدراسات على المجتمع البريطانيين مما تتركوا وظائفهم او تعرضوا للفصل ظهرت عليهم
مظاهر سوء الصحة مثل زيادة ضغط الدم وزيادة مستوى الكولسترول
يبدوا إذا ان طبيعة العمل أما يؤدي إلى صحة جيدة او سيئة وذلك لعدد من
العوامل الي سبق ذكرها واما بالنسبة للعاطل عن العمل يتعرض للمشقة وغذاؤه اقل جودة
وظروفه المعيشية أسوأ ويتجه إلى مزيد من التدخين وشرب الكحوليات.
3- وقت الفراغ: إن وقت النشاط مفيد بالتأكيد وخاصة إذا كان النشاط رياضيا مثل الجري والسباحة وغيرها ويمكن لبعض لنشاطات ان تكون مضرة بالصحة مثل مشاهدة التلفاز لساعات طويلة
من الأساليب التي تجعل مزاج الشخص يتغير بشكل إيجابي وشعورة بالسعادة
·
صمّم فلتون
إحدى أكثر الطرق المعملية شيوعًا، حيث يُطلب من الأفراد قراءة 50 أو 60 عبارة مثل
"أنا أشعر بالسعادة... هذا عظيم" بصمت أولاً، ثم بصوت مرتفع. تأثير هذه العبارات
على الشخص يستمر ما بين 10 إلى 15 دقيقة قبل أن يتلاشى. بالإضافة إلى ذلك، يتأثر بعض
المفحوصين في الاختبار بنسبة تتراوح بين 30% إلى 50%.
·
تم استخدام
طريقة مشاهدة الأفلام على نطاق واسع لاستثارة الحالات المزاجية (باستخدام أفلام بيتر
سيلرز)، وكانت النتيجة أن من شاهد الفيلم عادوا إلى حالتهم الطبيعية بعد 10 دقائق من
مشاهدته. كذلك، للاستماع إلى الموسيقى تأثير مشابه، خصوصًا الموسيقى المبهجة.
·
يُطلب
من الأفراد قضاء عشرين دقيقة في وصف حدث سعيد بأكبر قدر ممكن من التفصيل. ونتيجة لهذه
التجربة، وجد العالمان أرجايل وكروسلاند أن التأثير يتعاظم إذا قام الأفراد بذلك معًا،
بحيث يذكّر كل منهما الآخر بالأحداث السعيدة، ويزداد التأثير إذا كانوا أصدقاء وليسوا
غرباء.
· تعريض الناس لتجارب نجاح، مثل السماح لهم بالنجاح في مهمة تجريبية أو إشعارهم بأنهم يؤدون بكفاءة، يؤدي أيضًا إلى تحقيق حالات مزاجية إيجابية. لكن
جميع هذه الأساليب لا تستمر في
تحسين المزاج لفترة طويلة، إذ تدوم ما بين 10 إلى 15 دقيقة كحد أقصى.
من بين الطرق التي يلجأ إليها البعض لتحسين المزاج
استخدام العقاقير. فتناول الكحول، الذي يعمل كخافض لنشاط الجهاز العصبي المركزي، يمكن
أن يخلق حالة من البهجة والمرح، خاصةً في الحفلات والمناسبات الاجتماعية في المجتمعات
الغربية. إلا أن الكحول قد يؤدي إلى آثار جانبية سلبية خطيرة وإلى الإدمان.
هناك العديد من العقاقير التي يمكن أن تؤثر على الشعور
بالسعادة أو تسبب تأثيرات نفسية مشابهة. من بين هذه العقاقير:
المضادات
الاكتئابية (مثل مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين والنورأبينفرين): تُستخدم لعلاج الاكتئاب
وقد تساهم في تحسين المزاج وزيادة الشعور بالسعادة لدى الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات
المزاج.
المنشطات
(مثل الأمفيتامين والميثامفيتامين): تزيد من مستويات الدوبامين والنورأبينفرين في الدماغ،
مما يعزز النشاط والتركيز وقد يسبب شعورًا بالسعادة أو الهيجان.
المهدئات
(مثل البنزوديازيبينات): تهدئ الجهاز العصبي المركزي، مما يمكن أن يؤدي إلى شعور بالراحة
والاسترخاء، وفي بعض الحالات، شعور بالسعادة.
المسكنات
(مثل الأفيونات): تُستخدم لتخفيف الألم ويمكن أن تسبب تأثيرات نفسية مثل الهلوسات السعيدة
وشعور بالسعادة.
الكحول والمخدرات
المختلفة: يمكن أن يسبب تعاطيها مؤقتًا شعورًا بالسعادة أو الهيجان بسبب تأثيرها على
الجهاز العصبي المركزي.
من المهم ملاحظة أن استخدام هذه العقاقير يمكن أن
يكون له آثار جانبية خطيرة، ويجب استخدامها فقط تحت إشراف طبيب.
إلى أي مدى يشعر الناس بالسعادة؟
الإجابة على سؤال "إلى أي مدى يشعر الناس بالسعادة؟" تعتمد على عوامل متعددة تشمل السياق الثقافي والاجتماعي والاقتصادي بالإضافة إلى الظروف الشخصية للأفراد. السعادة هي شعور ذاتي يختلف من شخص لآخر.
بشكل عام، لا يمكن إعطاء إجابة محددة حول
مدى شعور الناس بالسعادة لأن هذا يعتمد على مجموعة معقدة ومتداخلة من العوامل. ومع
ذلك، من خلال المؤشرات والدراسات، يمكن الحصول على صورة عامة عن مستوى السعادة في المجتمعات المختلفة ومعرفة العوامل التي تؤثر فيها إيجابًا أو سلبًا.
المراجع
wikipedia. (3 فبراير ,
2023). عقار (مادة كيميائية). تم الاسترداد من wikipedia:
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D9%82%D8%A7%D8%B1_(%D9%85%D8%A7%D8%AF%D8%A9_%D9%83%D9%8A%D9%85%D9%8A%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D8%A9)
تحية محمد عبد
العال ، و مصطفى علي مظلوم. (يناير, 2013). الاستمتاع بالحياة في علاقته ببعض
متغيرات الشخصية الإيجابية. ببها : مجلة كلية التربية .
مايكل ارجايل.
(1993). سيكولوجية السعادة . عالم المعرفة .